الفنان الفلسطيني وائل ربيع والوطن بألوان خلف الجدران | زياد جيوسي
بقلم وعدسة: زياد جيوسي
الألم، وهي تتكون من خمس لوحات، وفي هذه المجموعة لخص الفنان الإحساس بالألم الذي يعتصر النفوس، ففي لوحة “عناق” يظهر وجه كهل فلسطيني تُظهر ملامحه الألم وهو يرتكز بذقنه على قبة الصخرة المشرفة ويرتدي الكوفية الفلسطينية. وفي لوحة أخرى تحمل اسم (زغرودة وطن)، نجد المرأة الفلسطينية وهي تربط الكوفية الفلسطينية على منديلها الأسود والألم يعتصر وجهها والدموع في عينيها، وهي تطلق زغرودة وداع الشهيد الشاب الذي نراه كأنه طير يبدأ رحلة التحليق للسماء من تحت شجرة عارية من الأغصان ترمز لوطن أصابه الجفاف من طول فترة الاحتلال، وخلفه شمس الحرية تبزغ من بين الغيوم. وفي لوحة (تقاطع) نجد مشهداً رمزياً كبيراً من خلال مشهد الطفل “عيلان” الذي أصبح رمزاً للمهاجرين قسراً من أوطانهم وقد غرق في البحر، و”حنظلة” الرمز الفلسطيني الذي ابتكره الشهيد الفنان ناجي العلي وهو يرفع جثة “عيلان”، وفي مقدمة اللوحة يد فنان ترسم المشهد، ولكن يظهر الطفل الغريق “عيلان” وهو يرفع “حنظلة” عن الشاطئ، وهذه إشارة رمزية إلى أن المعاناة واحدة بين الشعوب التي تجبرها الأحداث على الهجرة. بينما في لوحة (عَبرات) نرى فتاة شابة ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز بالنقوش الكنعانية، وتحمل على إصبعها عصفوراً ألوانه أشبه ما تكون بألوان العلم الفلسطيني وهي تنظر للقدس بكل الألم والدموع نتنسكب من عينيها، وفي هذه اللوحة نجد حجم الرموز التي استعملها الفنان في لوحته سواء بالرمز اللوني أو الرمز التشكيلي، فهناك الثوب الفلسطيني ذو الأكمام الواسعة وهو من أزياء منطقة القدس التراثية، وبرزت النقوش الكنعانية على فوهات الأكمام الواسعة وأنها إشارة إلى أن الحرية ترتبط بمحافظتنا على تراث وتاريخ يسعى الاحتلال لشطبه، وكان العصفور إشارة إلى وطن من خلال تواشيحه وألوانه بألوان العلم الفلسطيني، وفي الخلفية برزت القدس والأقصى ومسجد قبة الصخرة الواقع في ساحات الأقصى من خلف الأسوار، بينما كانت السماء ملونة باللون الأرجواني الموشح باللون الأحمر بتدرجاته واللون الأسود والأصفر، بتعبير رمزي واضح للغضب الساطع القادم والفجر الجميل.
الأطفال فرح ومقاومة، وهي من ثماني لوحات اعتمدت الطفل الذي يحلم بالفرح من جهة، ويقاوم بالحجر من جهة أخرى، وينظر للغد ولفجر الحرية. وفي لوحة حملت اسم (نافذة على السلام)، نرى فيها وجهين لطفلين وقد مزّقا جدار الصفيح الذي تخترقه آثار إطلاق الرصاص، وينظران من الفتحة بكل مشاعر الألم المرتسمة على وجوههما وأعينهما، ويحلمان بالفرح والحرية والسلام، بينما نرى رمزية صلب الفرح على الجدار من الداخل حيث (الأراجوز) بتلاوينه وملابسه مصلوباً على الجدار، فكما ورد في الموروث الديني عند المسيحيين من صلب السيد المسيح رمز السلام على يد اليهود، نرى صلب الفرح على الجدار بيد الاحتلال. وفي لوحة أخرى حملت اسم (دراجتي)، نرى آلة الهدم التي تجرف الأراضي، وتهدم البيوت، وتقتلع الأشجار، وقد حطمت دراجة الطفلة الهوائية، لكن حلم الأطفال جعلها تحيل ذراع الآلة الضخمة إلى أرجوحة تتأرجح عليها وظهرها للدراجة المحطمة، وهي تنظر بردائها الأبيض للشمس من بين الغيوم وللحرم الإبراهيمي في الخليل، وفي هذه اللوحة المؤثرة نجد الفنان اعتمد الرمزية الواضحة في لوحته، فقد جعل وجه الطفلة باتجاه الشمس التي رمز لها بأنها شمس الحرية، وليس الشمس الطبيعية التي لا يمكن النظر إليها، وجعل الدراجة المحطمة، وهي كناية ورمز للفرح الذي ينغصه الاحتلال في الخلف، وذراع الآلة أصبح ذراعاً للأرجوحة، فهي فكرة الطفل الفلسطيني الذي لا بد أن يعيش الحرية والفرح، ويصبح الاحتلال بعضاً من الماضي كما كل الاحتلالات التي عرفتها فلسطين. بينما في اللوحة الثالثة نجد طفلاً فلسطينياً يرتدي الكوفية الفلسطينية يقف في الظلام ليقاوم الغربان بالحجر، بدون خوف أو تردد، وبرغم أن هناك غراباً يحاول أن ينقر قدم الطفل، وهي إشارة رمزية إلى قيام جنود الاحتلال بتعمّد إصابة أقدام الأطفال بالرصاص المحرم دولياً، ما رفع نسبة مبتوري الأقدام والأيدي في جيل الأطفال، إلا أنه غير مهتم أبداً بذلك، وأيضاً قد تمكن من إصابة غراب ملقى تحت قدمه، وهو يقاوم بانتظار الشمس من بعد القمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق