خولة الطفيلي... تشكيليّةٌ تودِع التاريخ العريق أمانةً في لوحات وألوان
لوحات للفنانة التشكيلية اللبنانية خولة الطفيلي "الحجر إن حكى"
لمى نوّام
ولدت في بعلبك، تلك المدينة السّاحرة التي كانت أهم مركز للحضارة الرومانية وما قبلها من الحضارات. لعبت في الحقول والبساتين، وسارت في طبيعتها الخلّابة. ومن ذلك السّهل، أخذت المدى في الرؤية والبعد اللّوني الغني. لطفولتها ذكريات جميلة أهمّ ما فيها أنّها تركت في وجدانها وذاكرتها مخزوناً لونيّاً، وعشقها الأبدي للطبيعة.
ولدت في بعلبك، تلك المدينة السّاحرة التي كانت أهم مركز للحضارة الرومانية وما قبلها من الحضارات. لعبت في الحقول والبساتين، وسارت في طبيعتها الخلّابة. ومن ذلك السّهل، أخذت المدى في الرؤية والبعد اللّوني الغني. لطفولتها ذكريات جميلة أهمّ ما فيها أنّها تركت في وجدانها وذاكرتها مخزوناً لونيّاً، وعشقها الأبدي للطبيعة.
إنّها الفنانة التشكيلية الشابة خولة الطفيلي، التي اقترفت موهبة الرسم باكراً جدّاً، فهي لا تذكر نفسها إلّا مُعبّرةً بالرسوم عن الفرح والحزن. كانت تشعر أن الرسم ملاذها وقولها وفعلها، وكانت تتكلّم من خلال رسومها. وتذكر أنّها في المرحلة الدراسية الابتدائية، رسمت عائلةً وبيتاً وفتاةً سرّحت شعرها وتضع وردة بين ضفائرها. كان كل ما يقع عليه نظرها ترسمه. رسمت على طاولات المدرسة، التي تحوّلت ذات يوم إلى خريطة ـ على حدّ قول المدرّسة. ثمّ أكملت خولة دراستها المتوسطة والثانوية في بعلبك، وكان همّها الأوّل كيف تمضي بها السنون وكيف سيخرج من جوانيتها كل هذا المخزون.

تخرّجت خولة الطفيلي في معهد الفنون الجميلة ـ الجامعة اللبنانية، وحازت على إجازة في الفنون التشكيلية من الجامعة اللبنانية ـ كلّية الفنون ـ الفرع الأول عام 2011، كما حصلت على ماستر في الفنون التشكيلية عام 2014، وهي بصدد تحضير الدكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ـ سن الفيل.
خولة الناشطة النشيطة في جمعية «حواس» الثقافية الفنّية، نظّمت مؤخّراً معرضاً تشكيلياً أطلقت عليه اسم «الحجر إن حكى»، وذلك في «غاليري زمان» ـ الحمرا ـ بيروت.
«البناء» التقت خولة الطفيلي على هامش المعرض، وكان حوار تحدّثت فيه عن معرضها فقالت: «لم أسمّ لوحات معرضي كلّها. إذ إنّها بمجملها ذات مفهوم واحد: الحجر إن حكى. عدد اللوحات 39 وبقياسات مختلفة، وتتراوح بين الإكريليك، والأحجار، والجلد، والزجاج، والمعجون الخاص الصلب».
وأضافت: «رسمت معابد وآلهة رومانية، يونانية، وفينيقية، وذهبت في صميم اللوحات إلى عمق التاريخ لأستحضر الماضي، ولأبحث عن الأصالة في الإبداع بطريقة حديثة. فروّضت عدّة مواد في تشكيلاتي الفنية، لاستخلاص نوع من التوافقية، ولإحداث نوع من الديناميكية، كي تتفاعل مع المشاهد ولا تبقى مجرّد مادّة خام».
وعن اختيارها موضوع الحجر رأت خولة أن ذلك كان لعدّة أسباب منها أنها وجدت في استحضار جماليات هذه الآثار وهذه المعابد والهندسة المعمارية المتميّزة، حاجة ماسّة في زمن الفوضى بكل المعايير الجمالية والفنية والاجتماعية، زمن الفوضى، فوضى بإسقاط علم الإستيتيك.

وقالت: «باعتقادي، نحن بحاجة إلى عصر نهضة جديد. ولا أريد أن أُفهَم بأنّني أريد العودة إلى الكلاسيكيّات ـ مع حبّي لها ـ إنما المزاوجة بينها وبين الحداثة، مع إبراز ما لدينا من جماليات ومواضيع غنية. موضوعي طرح ورسم من قبل المستشرقين، فأردت ألّا أكرّر ما فعلوه، إنما أردت لموضوعي أن يكون برؤية حديثة، واستغرق العمل بهذا المعرض حوالى سنة لأنّني أردت العودة إلى الجمال، إلى المُثل التي أراها تشوّهت منذ الدادائيّة حتّى الآن، حتّى اندثرت ووصلت إلى حائط مسدود».
وأكّدت خولة أنّها لا تحبّ الانتماء إلى مدرسة فنية بالمطلق. وليست هي من يحدّد أسلوبها، حتّى لا يأتي بشكل مصطنع، وأنّ على الفنان أن يكون همّه وهاجسه في لوحة ممتعة بصرياً وتأليفياً ولونياً، مراعياً شروط اللوحة من ناحية الحبكة الفنية، إذ قالت: «بوعيٍ منّي، أو ربما من دون وعي، قد أتأثّر بمنهج وأسلوب فنّيين معيّنين. وهذا ليس عيباً أبداً، لأن كلّ الفنون سلسلة مترابطة، ولا يمكننا رسم خطّ فاصل بين طور وآخر، في أيّ مجال من مجالات النشاط البشري. كلّ مدرسة فنية تحمل خلاصة ما قبلها، واستعداداً لتقبّل ما يأتي. والفنّ عملية تأثّر وتأثير، ولا أخفي أنني من عشّاق الفنان الهولندي فان غوغ والمدرسة ما بعد الانطباعية post impressionnisme .
وبالنسبة إلى أسلوبي اليوم، أرى أنّني أزاوج بين الواقعية ونصف التجريد Semi abroit ، مع وجود روحيّة المدرسة الانطباعية. لكنني أحبّ أن يكون أسلوبي نابعاً من بيئتي، أي ثقافتي الخاصة، فأنا أزور كل الينابيع لكنني أشرب من بئري الخاصة، بغضّ النظر عن المعايير النقدية الجمالية. لا أحبّ أن أتقيّد بأسلوب معيّن، الفنان حرّ، أنا اليوم أرسم وألوّن بهذا الأسلوب، ولا أعلم غداً أين أصبح. لا أعلم أيّ توليفة جديدة تنضج لديّ، والتي تكون قادرة على التعبير عنّي وعن هواجسي».

وعن الفنّ التشكيليّ في لبنان، مقارنةً مع العالمي قالت خولة: «أرى أن هناك فنّاً في لبنان، لكننا مقصّرون أشواطاً بالنسبة إلى الفنّ العالمي، ويلزمنا عمل كثير وإبداع أكثر كي نلحق بالركب العالمي، وليكون لنا مكان في المنظومة التشكيلية الفنية. أنا لا أنكر أن هناك فنانين وفنانات لبنانيين أصبحوا بمصاف الفنانين العالميين. إنما، وفي هذه المناسبة، أرى أنّنا بحاجة إلى حركة نقدية جدّية تغربل الفنّ. وأطالب بإنشاء متحف يضمّ الأعمال الفنية القديمة، وأعمال الروّاد وأعمال الفنانين الحديثين في لبنان. ولا بدّ من الاعتراف بأننا مقصّرين، لا بل ـ وإن صحّ التعبير ـ ما زلنا مستهلكين كل ما يردنا من الغرب. مع الأمل طبعاً بوجود فنانين كبار على الساحة اللبنانية ولا بدّ أن يحدثوا التغيير».

وختمت الطفيلي حديثها قائلة: «اللوحة الأبرز في معرضي تضمّ رموز الجمال والقوة والحب: فينوس، جوبيتر، باخوس. وهنا خلاصة ما أردت إحياءه من جديد. المرأة والرجل موجودان على السواء في لوحتي، ولا يهمّ من يطغى على الآخر، الإنسان إنسان سواء كان رجلاً أم امرأة».
أعمال خولة الطفيلي المعروضة في «غاليري زمان» تأكيد جديد على أن موهبة الفنان الفطرية والتقنية والفكرية، هي ما يحدّد إن كان العمل الفنّي المطروح حداثياً أم مُستعاداً. معرض خولة الطفيلي «الحجر إن حكى» الذي افتُتح في الرابع حزيران الجاري والمستمر حتى نهاية الشهر يستحق المشاهدة، إذ إن الفنانة الشابة، تودِع التاريخ العريق أمانةً في لوحات وألوان.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق