العمل الفنى هو المردود الفعلى لمتغيرات المجتمع , فهو جزء لا يتجزأ من ثقافته وهو أيضًا المرآه التى تعكس المزاج العام, مقدمًا من خلال مدلولات سياسية وإنسانية واقتصادية .وعلى مدى أجيال متعاقبة تباين فى اتجاهاته ومدارسه, خاصًة الرسم التعبيرى والكاريكاتيرى فى الصحافة المصرية, والذى يعد الأوسع انتشارًا والأكثر حظـًا عن غيره نظرًا لسهولة تداوله بين الجمهور
. كان يقدم الرسم الصحفى بشكل يدوى خالص, إلا أنه ومع دخول التكنولوجيا فى أدق تفاصيل العمل الصحفى أثرت بشكل ملحوظ على الرسوم الصحفية, مما ألزم أغلب الفنانين مواكبة التطورات التقنية ومزجها بمهارتهم اليدوية وخبرتهم للوصول بأعمال فنية ذات قيمة تلائم مستجدات العصر لكنها لا تعبر عن موهبة صاحبها
. فى البداية يقول الدكتور حازم فتح الله العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة بالزمالك,الرسوم التعبيرية المصاحبة للنصوص الصحفية المكتوبة هى رسوم وجدت فى مصر منذ أوائل القرن العشرين, وكان حتى الربع الأول من ذلك القرن يعمل بها رسامين أجانب .
ومع ثلاثينات القرن الماضى بدأ الحسين فوزى “أول فنان مصرى يرسم بالصحافة“ فى تقديم رسومه القصصية, أعقبه فى الأربعينيات حسين بيكار رائد رسوم الأطفال, فضلا ً عن الفنان الأرمنى “صاروخان“ أول رسام كاريكاتير .. تلاه “رخا“ مقدما الرسوم التعبيرية بجانب الكاريكاتيرية حيث كان أول فنان مصرى يرسم كاريكاتير. وقد أتخذ الرسم التعبيرى مجالا ً أوسع مع ظهور جمال كامل, هبة عنايت, يوسف فرنسيس, منير كنعان, جمال قطب, محى اللباد ومصطفى حسين, لتبدأ بعض المجلات والصحف فى استخدامه بديلا ً عن الصورة الصحفية كمجلة صباح الخير وروزاليوسف, لاعبًا دورًا كبيرًا كمعادل بصرى للنص المكتوب وخاصًا فى بعض محاكمات “الخمسينيات“ والتى كان يمنع فيها التصوير الفوتوغرافى . أما اليوم ومع ظهور التكنولوجيا الحديثة فنحن نسعى لدى أبنائنا بكليات الفنون إلى ترسيخ كيفية التعامل معها دون إسقاط لقيمة الرسم اليدوى والاستفادة منها فى الإضافة وليس فى الاعتماد الكامل .. ويعقب فتح الله قائلا ً : مستوى الرسوم الصحفية حاليًا أصبح أقل من مستواها فى الأربعينيات والخمسينيات وذلك لضعف مستوى بعض خريجى كليات الفنون, وأيضًا لأسباب صحفية من قبل القائمين عليها حيث كان الوعى والتذوق الفنى أعلى لينتقى الفنان المناسب والرسم المناسب . ويضيف الدكتور عبد العزيز الجندى الأستاذ بكلية الفنون الجميلة, على الرغم من أن العمل الالكترونى له مميزاته العديدة, الا أن الرسم اليدوى مازال له التفوق بلمسته البشرية التى لا يضارعها شىء وإن أخطأت .. فهذا الخطأ أحيانا يضفى عليها الجانب الانسانى المستحب . وأننى لا أظن أنه سيأتى يومًا تختفى فيه الرسوم اليدوية فحتى إذا تقدمت الرسوم الالكترونية فى تقنياتها إلا أن كل مجال سيظل له مذاقـه وطبيعته دون أن يتعدى أحدهما على الآخر ويمكن لممارس المجال الالكترونى أن يصبح رسامًا صحفيًا شرط أن تكون لديه الموهبة فى الأصل والفكر والشخصية, وأن يكون ممتلكــًا لمهارته اليدوية,حتى تتكامل موهبته ومهاراته الفنية مع إمكانياته الالكترونية ليصبح رسامًا صحفيًا يمتلك الأدوات العصرية,
ويشير الفنان مصطفى سالم رسام الكاريكاتير بروزاليوسف إلى أن الرسوم التعبيرية والكاريكاتير فى الصحافة لها طابع خاص, فهى تساعد فى توصيل المعلومة ورأى الرسام, ولازالت لها نفس الجدوى حتى فى ظل طغيان التكنولوجيا وان كانت الرسوم اليدوية البحتة أقل من الماضى بطبيعة الحال .. فقد ساعد الكمبيوتر العديد من الرسامين فى تطوير أساليبهم لتناسب الطباعة بأفضل جودة كما ساهم فى توفير الوقت اللازم لتنفيذ الرسم, وإن كان هناك بعض الفنانين يفرطون فى استخدام التكنولوجيا ولا يجيدون توظيف ذلك مما يفقد رسومهم الروح وتلقائية الرسم . الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق